Wejeune

معرفة الغير ببين الحوار و الجدال

لسنا بحاجة إلى الفلاسفة و المفكرين و الأطباء الأخصائيين أو غيرهم من فقهاء اللغة أو النحو، كي نعرف أنفسنا أو الآخرين من فصيلتنا. أقصد معرفتنا الخاصة به دون الحاجة للتحجر أو الدغمائية في الحكم على شخصه انطلاقا من مؤشر أو ردة فعل أو كلمة أو صورة في الزمن -T0- . فمعرفة الغير مبدأ طبيعي-أي تفرضه الطبيعة- و يزكي فهمه الوقت و تصقله المواقف.

و في هذا السياق، تختلف و تتعدد طرف الإنسان في محاولات معرفة الآخر أي معرفته كإنسان.إذ يرى “جورج برنارد شو” أنه إذا أردنا معرفة عقل شخص ما، يجب أن نلاحظه و هو يحاور شخصا آخر يخالفه الرأي. ومن هنا تبدأ المعرفة: الحوار. و إذا ألقينا نظرة على مفهوم “الحوار” سنجده -في كل القواميس- مخالفا للجدال، الصراع، الحرب. و بالتالي فالحوار هو أهم  وسيلة يستطيع الإنسان اللجوء لها من أجل معرفة الغير. فإذا كان المرء متعصبا للرأي، قليل الحلم، مستهزءا بالآخر، متعصبا، دغمائيا، فلا جدوى من معرفته، ربما نكون في حاجة هنا إلى طبيب نفسي أو مربية أو أسرة تقوم ما عليها القيام به.

و قولنا أن الحوار مبدأ أساسي في معرفة الغير ليس بالحكم المطلق الصائب دائما. إذ تقول في هذا الصدد الكاتبة الانجليزية العظيمة “أجاثا كريستي”، أن تمسك المرء بمبادئه بصرامة أكثر من اللازم ينتج عنه عدم مقابلة أحد-أي معرفته-. و هذا ما لا نرجوه و ما نحاول تفاديه: الدغمائية أو التطرف الناتج عن التشبث الشديد بالمبدأ. إنه أمر مكروه و يسبب ما يسمى ب”سوء التفاهم”. فالأخلاق على سبيل المثال معطى نسبي و تتفاوت درجات فهمه و العمل به من شخص لآخر حتى في أضيق النطاقات الجغرافية-الثقافية، و ذلك راجع لما أفرزته المؤسسات الاجتماعية. لذا إن كان الحوار مبدأ فالمبدأ نسبي، و لا يزال الحوار أسمى المبادئ في تنظيم، تقنين و تخليق معرفة الآخر.

و معرفة الغير متاحة في أبسط الوسائل البشرية للتواصل: اللغة. بناءا على اللغة باستطاعتنا معرفة خبايا العقل الآخر. يقول “يحيى بن معاذ الرازي” في هذا السياق “أنظر إلى الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو أو حامض أو عذب أو أجاج و غير ذلك، و يبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه.” و هذا إن دل على شيء إنما يدل على احتكار اللغة لنسبة مهمة من خبايا النفس و القلب. في هذه الحالة يسقط الحوار مؤقتا  و يحل محله الجدال و الصراع و الحرب. و نزول هذه المفاهيم يمنحنا فرصة تذوق لغة الآخر و إخضاعها لمعيار “الرازي” سالف الذكر.

و لا نقصي بذلك كون الجدال قادر على إثبات العكس-أي أن الحوار لا ينتهي دائما بالايجابية، في حين أن الايجابية أو فرصة الحكم على الإنسان من خلال لغته قد تكون متاحة في الجدال أو الصراع أو الحرب-.

أما منحنا للجدال-و الحرب و الصراع- فرصة الإرشاد إلى معرفة الغير، ليس هبة أعطيت من فراغ. إنما الإنسان كائن نفسي بامتياز،- لذلك أشرنا في البداية إلى أنه لا يجب الحكم على المرء في الوقت “T”- و هذا ما ينبهنا إليه رائد الشك المنهجي “ديكارت” القائل: ” عليك، لكي تعرف ما يفكر فيه الناس حقا، أن تنتبه إلى ما يفعلونه و ليس لما يقولونه”. و بالتالي فلا الجدال و لا الحوار باستطاعتهما الكشف عن هوية-ماهية- الغير، لأن الحوار و الجدال هما وسيلتين مختلفتين، نعم، في معرفة الغير، لكنهما ينتميان إلى حلقة واحدة، ألا وهي : اللغة الشفوية. و ما يقال لا يعمل به دائما سواء كانت طبيعة العملية التي أنتجته “سلمية” أو “عنيفة”.

و بالتالي وجب علينا انتظار الشق العملي من العملية القاضية بمعرفة الغير و هو “الفعل”أو “التطبيق”.

بقلم : كريم الحدادي

لنشر تدويناتك على Wejeune  المرجو ملئ  الإستمارة : https://forms.gle/UqFtrPasM89zEFbW9

للتواصل معنا :
الهاتف : 212661593520+
البريد الإلكتروني : redaction@wejeune.com
مواقع التواصل الاجتماعي : www.facebook.com/wejeunearabia