Wejeune

لماذا أفلست 6000 مقاولة في المغرب في عهد العثماني ؟

د. إدريس الفينة

المقاولة في البلدان المتقدمة هي الدعامة الأساسية للتنمية الشاملة، والجميع مقتنع أن التنمية الاقتصادية تمر عبر المقاولة، ورغم ذلك، فإنه على المستوى العملي، العكس هو القاعدة عندنا، وهو ما نتتبعه عبر عدد من الممارسات والمؤشرات. فعدد المقاولات التي يتم خلقها سنويا لازال ضعيفا بـ 92000 مقاولة بمعدل 2.6 لكل ألف مواطن مقابل 10 كمتوسط في الدول الصاعدة، والسبب أن المستثمر المغربي يعرف أن الدخول في مشروع مقاولة هو مغامرة حقيقية من خلال تجارب الذين سبقوه، وعدد المقاولات التي تغلق أبوابها في تزايد مستمر (6000 مقاولة)، وعدد من الأسباب مرتبطة بصعوبة مناخ الأعمال بشكل عام، بالمقابل، نجد أن أكبر مقاولة في المغرب لم يتجاوز بعد رقم معاملاتها السنوي عتبة 6 ملايير دولار أمريكي، في حين أن أول مقاولة في كوريا الجنوبية رقم معاملاتها يتجاوز الناتج الداخلي للمغرب بأكثر من الضعف، وهي نفس المقاولة التي لم يكن يتعدى حجم معاملاتها فقط 5 ملايير دولار أمريكي سنة 1994.

إذن، لابد أن نتساءل عن السبب الذي يجعل مقاولاتنا الكبيرة تنمو ببطء ولا تتطور عالميا، وهو الأمر نفسه الذي يسري على باقي النسيج المقاولاتي في المغرب، الأمر الذي يؤثر على النمو الاقتصادي بشكل عام، فجل المقاولات مرتبطة بسوق داخلي محدود من حيث الحجم والقوة الشرائية، واعتبارا لضعف تنافسية غالبية المقاولات الكبرى، فجلها غير قادرة على غزو الأسواق الخارجية لكسب نمو أكبر، وضعف تنافسية المقاولة نلاحظه من خلال الصادرات التحويلية خارج المقاولات التابعة لرؤوس أموال أجنبيه، ورقم الصادرات جد مخجل (5 ملايير درهم)، كما لابد أن نتساءل عن السبب الذي جعل النسيج المقاولاتي ضعيفا وغير قادر على إنتاج شركات عملاقة تقود الاقتصاد والتنمية في المغرب، لأن حجم النسيج المقاولاتي في المغرب يناهز 1.7 مليون مقاولة، أي بمعدل 5 مقاولات لكل 100 فرد مقابل 20 في الدول المتقدمة، أما عدد الأجراء بالمقاولات فلا يتعدى 48 في المائة مقابل 90 في المائة في الدول الصاعدة والمتقدمة، وهو ما يعني ضعف اختراق المقاولة للمجتمع.

هذا الوضع يلقي على الدولة عبئا متزايدا لتدارك هذا الضعف المقاولاتي، ويجعلها تستدين وترفع من الضرائب باستمرار لإنجاز المزيد من المشاريع التنموية ولخلق دينامية اقتصادية مستمرة لمواجهة انحصار الدور التنموي  للقطاع الخاص، والأسباب التي أدت لهذه الوضعية متعددة جدا، وجلها مرتبط بمناخ الأعمال وأساليب التدبير المعتمدة وغياب عقلية وثقافة المقاولة عند الفاعلين والدولة على حد سواء.

مؤخرا، تبين لنا أن الأبناك لا تساند تمويل المقاولة، بل تضع كل العراقيل من أجل ضخ أقل ما يمكن من تمويل في شرايينها، فالأبناك تعتبر المقاولة بشكل عام مجال مجازفة بامتياز، عكس فلسفتها في البحث عن أرباح سهلة من خلال توسيع قاعدة الودائع التي لا تكلفها الكثير وتجني من ورائهما الكثير من الأرباح، إذ أن توزيع القروض البنكية حسب حجم المقاولات، يظهر أن فقط 5 في المائة من المقاولات تستحوذ على أكثر من 90 في المائة من التمويل البنكي، فخلال السنة الماضية، ارتفعت أرباح الأبناك بنسبة 9 في المائة وحققت ما يناهز 13 مليار درهم، ورغم أن الأبناك توجد تحت وصاية وزارة المالية، فإن هذه الأخيرة حسب المعلومات المتوفرة، لم توجه لها أي خطاب توجيهي منذ سنوات تحثها على تقديم الدعم للمقاولة، وهو الأمر نفسه بالنسبة لبنك المغرب، الذي يبحث كذلك عن تحقيق اأكبر نسبة من الأرباح من خلال نشاطه مع الأبناك وتدبير مختلف أصول المملكة بما فيها حسابات العملة الصعبة.

للتذكير، فقط حقق بنك المغرب أرباحا صافية وصلت السنة الماضية 0.9 مليار درهم، وسنة 2017 حقق أرباحا بقيمة 1.04 مليار درهم.. فهل هذا هو الدور المناط ببنك المغرب؟ أي منافسة الأبناك في تحقيق أرباح مرتفعة من خلال توظيف مخزون العملة الصعبة وتدبير التسبيقات البنكية وتدبير مختلف أصول المملكة.

ليس هذا هو العائق الوحيد الذي تعاني منه المقاولة التي لا تعرف إقلاعا في بلدنا، مما ينعكس على الاستثمار وخلق الثروة والتشغيل والتصدير والعملة الصعبة، بل هناك جوانب متعددة مرتبطة بغلاء العقار الذي لم نتمكن لحدود اليوم من أن نجد له الاستراتيجية الملائمة لجعله عامل جذب عوض عامل إعاقة، ومجال مضاربة وعنصر تقويض للنشاط الاقتصادي وتوسع المدن .

السياسة الضريبية هي الأخرى، لا تساهم في تطور المقاولة، وذلك بفعل التغيرات السنوية وارتفاع ضغطها المستمر على المقاولة، مما يضعف تنافسيتها، فالسياسة الضريبية في المغرب يصعب تحديد توجهها الاستراتيجي رغم أن قوانين المالية تؤكد أنها تحفيزية للمقاولة، وهو الأمر الذي يصعب تأكيده من خلال الأرقام والإجراءات الضريبية التي يتم إقحامها من سنة لأخرى، والضغط الضريبي يناهز 23 في المائة، وهو من أعلى المستويات داخل دول البحر الأبيض المتوسط، كما أن المجهود المستمر لرفع الاستثمار العمومي يجعل الدولة مضطرة كل سنة لرفع الضغط الضريبي، لمواجهة حاجياتها المستمرة لتغطية تكاليف تدبير مجهود التنمية وتمويل إدارة معيقة للتنمية.

هناك كذلك مشكل مساطر الترخيص المعقدة التي تواجهها المقاولة، فرغم أن المغرب حصل مؤخرا على موقع متقدم على سلم “doing business” من خلال احتلال الرتبة 53، إلا أن هذا الترتيب لا يعكس حجم العراقيل المتعددة التي تواجهها المقاولة المرتبطة مثلا بالبحث عن التراخيص التي تهم عددا من المجالات التي تحكمها مساطر إدارية غير شفافة ومعقدة، كما أن المشاكل المرتبطة بالتعمير والقضاء، مازالت مطروحة بحدة، وكل هذا لا يعكسه مؤشر مناخ الأعمال.

هذا يجعلنا نتساءل: هل هناك فعلا دعما للمقاولة في المغرب لتلعب دورها حقيقة في مسلسل تنمية البلاد؟ فلابد أن نعلم ونعي جيدا أن نمو البلاد يمر عبر تطوير النسيج المقاولاتي في المغرب، وهذا لن يتم إلا من خلال تطوير مناخ الأعمال ووضع أهداف استراتيجية في هذا المجال، عدا ذلك، فإننا بصدد تأزيم الوضع على المدى البعيد.