لماذا تقدم الغرب و تأخر العرب؟
لا شك في وجود أيديولوجيات تدافع عن هذه المسألة : “تقدم الغرب”. ماذا لو عكسنا العبارة؟ لتصبح : لماذا تأخر الغرب و تقدم العرب؟ ستصبح الجملة أكثر إثارة للدهشة، و من المحتمل أن تحدث ضجة و فوضى عارمة على وسائل الإعلام و التواصل.
لأن الغرب يعملون جاهدين على إقناع العالم بأنهم فعلا تقدموا. و وصفهم بالمتخلفين أو المتأخرين يعد، بالنسبة لهم، جريمة في حق الشعوب التي ناضلت، و المعلمين اللذين سهروا على تربية من المواطنين ما يصلح و يسهم في تطوير المجتمع، و الأسر التي عملت على تهذيب و تخليق و صقل مواهب أبنائها و الرفع من رغبتهم في الحياة، العطاء، التفاني و الجد.
لكن، ماذا لو كنا طرفا من المناظرة ضد الغرب حول موضوع تأخرهم؟ سنجبر حينئذ على تقديم من البراهين ما يبطل حججهم . فهل نقوى على ذلك؟
أولا، تجدر الإشارة إلى أن الغاية من هذه المعادلة المعكوسة عناصرها، لا يعد انتهاكا مباشرا أو غير مباشر لسمعة أو كرامة شخص أو مؤسسة. و ما هذا إلا سؤال فلسفي مفاده: ألا يمكن القول بأن العرب تقدموا؟ في طريقنا إلى منازلنا، كنت أنا سادس أصدقائي. و بحكم اختلاف شخصيات و أذواق و اهتمامات كل واحد منهم. كان الأول يتحدث للثاني و الرابع يتحدث إلى الأول، و الأول ينتظر الخامس حتى ينهي حديثه، ليذكر الأول بقصة طريفة وقعت في المدرسة الابتدائية. أما أنا فاكتفيت بقبول انضمام أو انسحاب أحدهم إلى عالمي.
كان منا من لا يكترث للوقت و منا من قهره البرد و بدأ يسرع خشية أن يصاب بنزلة برد أو شيء من هذا القبيل. بدأت تتشكل لذلك نوع من القطيعة بين أفراد الجماعة؟ فللأفكار قدرة هائلة على التكاثر، الإنجاب، التلون و التسارع. تسارعت أفكارهم مؤثرة بذلك على خطاهم التي جعلتهم يهرولون و كأنهم في مسابقة مارطون، وهم لا يعلمون أنهم شكلوا بذلك تقسيما دقيقا من المحتمل أو مما لا شك فيه أنه نتاج لعمليات فيزيائية من جهة و نفسية من جهة أخرى، أسهمت بدورها في تشكيل مجوعة –أ- و هي مجموعة المسرعين و مجموعة-ب- وهي مجموعة المبطئين و المتأخرين.
و المشكل لا يتجلى في هذا التقسيم الأوطوماتيكي بالنسبة لهم. وبالرغم من أنه غير ملاحظ ولا يثير انتباه أغلبهم، فإنه بدوره يبين مدى دور :
- كل ما هو فيزيائي في الإنسان وفي محيطه.
- وما هو نفسي في الإنسان وما يسبب محيطه لنفسيته في خلق فرق صغيرة وغير ملاحظة.
وبالتالي ، فالغرب والعرب مجموعة أصدقاء تختلف مشاعرهم بين القاسية والرقيقة والإنسانية ، وتحركهم ذكريات وأفكار وجمل عظماء وعطور نساء وتأثير أفلام وكتب ورسائل مجهولة… ومنهم كذلك من قرر أن يسرع لكن لم يقوى على التخلي عن مجموعته لأسباب نجهلها وتشكل جزءا من حياتهم الشخصية ، ومنهم كذلك من يظن نفسه في مجموعة بينما هو في أخرى .
إن تقدم الغرب لا يعني بتاتا تأخر العرب . ولنوضح ذلك : لنعتبر الغرب والعرب شركاء في الأرض ولنكشف من أعلى نمط عيشهم : متطابق يميزه الجو ونوعية العطور والقليل من الأفكار المختلفة. فتجد في بعض الأحيان عربا يقلدون الغرب وغربيين يقلدون العرب في طرق العيش واللباس والحديث. فهل من الممكن اعتبار العرب متقدمين جزئيا بسبب وجود جزء من العرب على أرضهم، وأن الغرب متأخرين نسبيا بسبب وجود عرب على أرضهم ؟
بحكم تشاركهم في الأرض، فلا الأول متأخر ولا الثاني متقدم، وان استمرار هذا المنطق في الانتشار وتشكيل المذاهب والتيارات ما هو في واقع الأمر إلا تجسيد لعجز الطرفين على تجاوز فكرة الانتماء إلى نمط اجتماعي – وجودي لا يقبل القسمة .
لا يقبل القسمة لأن تأخر شعب يعد عارا إذا كانت في العالم شعوب تدعي الرقي والتقدم. وان مسألة الصراعات الثقافية واللغوية والسياسية المؤدية إلى الحروب الداخلية والخارجية والى التشدد … سبب واضح وجلي يبرز كحجة ضد كل من يقول أن هناك شعوبا متقدمة وشعوب متخلفة. متقدمة بماذا ؟ متقدمة في إنتاج الكحول ؟ البطاطس ؟ الملابس؟ السيارات الفاخرة؟ الأدوية ؟ ثم لما تصلح هذه الأدوية إذا كانت لا تشفي مرضى دول الجنوب ؟ ولما لا تستفيد الشعوب المتأخرة من ذكاء الشعوب المتقدمة ؟ ولما وما فائدة صنع سيارة فاخرة إذا كان شباب أفريقيا يتهافتون نحو المحيط الأطلسي فيموتون غرقا وأحشاؤهم في أحشاء سمك القرش، وما كان وراء هذا السفر سوى رغبة جامحة في الحصول على سيارة فاخرة.
إن العرب تقدموا ولولا تقدمهم لما وجدوا اليوم. ربما يمكن أن نصنفهم في المجموعة-1- ذات السرعة البطيئة ربما ندرجهم ضمن المجموعة-2- اعتبارا لاحتمالية تجسيدهم لمرحلة تاريخية قادمة. المهم والأجدر بالتذكير هو أن التقدم والتأخر المبنيان على معايير نسبية من قبيل الدخل الفردي وأمد الحياة والتعليم حتى لا نذكر سوى هاته المعايير الثلاث ، لا يشكل مشروعا ناجحا في تقييم تقدم أو تأخر الشعوب.