بين القوانين وسلوك المواطنين .. الوعي غائب
فور إعلان حالة الطوارئ والحجر الصحي في العديد من الدول بسبب انتشار فيروس كوفيد-19 ، سارع العديدون إلى الأسواق والمحلات التجارية قصد التبضع بكميات هائلة لتخزينها ، وفي إيطاليا هرول سكان منطقة لومبارديا بعد فرض الحجر الصحي عليها إلى محطات القطار حاملين أمتعتهم والخوف ظاهر على ملامحهم كأن الفيروس خلفهم يطاردهم. أصابت هذه “اللهطة” على المواد الغذائية وعلى وسائل النقل مواطنين في المغرب كما أصابت قبلهم مواطنين في دول متقدمة ورائدة ، مما يحيلنا إلى التساؤل هل فعلا نحتاج فقط إلى الوعي ليدخل الناس إلى بيوتهم ؟
تنتج ردود الفعل السالفة الذكر عن مجموعة من الأحاسيس الغريزية التي فطر عليها الإنسان لتساهم في بقائه واستمراره ، لذلك يكون من الصعب التحكم بهذه الغرائز في لحظة واحدة دون سابق إعداد نفسي ، فأول ما يتبادر لذهن الإنسان عند إعلان حجر صحي شامل هو بماذا سيسد جوعه اثناء تواجده بالبيت ، وكيف سيحصل على دوائه بالنسبة للمريض ، وكلما انخفضت نسبة المعرفة بمفهوم الحجر الصحي وحالة الطوارئ والمعرفة بالمرض نفسه كلما زادت لهطة المواطنين وتهافتهم ، لأن البعض يظن أن الإنتاج سيتوقف وستنقطع سلاسل الإمداد وسنصل لمرحلة يأكل فيها الناس بعضهم بعضا ، ولا يمكن تفسير هذا التحرك العفوي إلا بغريزة البقاء لدى كل إنسان باختلاف مستويات عيشهم وانتماءاتهم ، خصوصا في الاوساط التي اعتاد فيها الناس الرخاء وسهولة الحصول على حاجياتهم فيكونون بذلك هم أكثر الناس حرصا على المحافظة على حياتهم العادية قبل ان يجتاحهم الوباء.
كما يفسر الرفض وعدم تقبل المرض هرولة الناس الى المحطات قصد الهروب من البؤر الوبائية او المناطق التي فرض عليها الحجر ، فالكثير منهم قد يكونوا حاملين للفيروس لكن عدم تقبل الإصابة بالمرض يدفع الناس الى الميل للتصديق بأنهم حالات سليمة والنتيجة كانت كارثية في إيطاليا ، وقد تابعنا مشاهد مماثلة في اماكن اخرى منها المغرب ، وهذه من الهفوات التي تساعد على انتشار الفيروس فإجراءات الدولة لا تكفي وحدها دون تحمل المواطنين للمسؤولية واخذ الأمور بجدية. ربما لتفادي هذا الاجتياح كنا في حاجة إلى ما نتجاهله دائما وما زلنا نتجاهله ، إلى تعاليم الإسلام الحقيقية ، لا تلك السلوكيات التي اتى بها البعض من مخيلته وزعم انه يتقرب بها من الله ، كالتجمهر في الشارع والتهليل والتكبير دون مبالاة بتعريض حياة الاخرين للخطر ، أو كمن ذهبوا ليقيموا الصلاة امام المساجد بعد إغلاقها ! ليتبين أن غالبيتنا لا يعرف عن دينه اكثر مما لقنونا في المدرسة الابتدائية.
في هذا الصدد أشارت المجلة الأمريكية “نيوزويك” إلى تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص الأوبئة ، وكتبت المجلة في مقال لها بعنوان “هل يمكن لقوة الصلاة وحدها أن توقف وباء مثل كورونا؟ حتى اانبي محمد له رأي آخر” الذي جاء بعد دعوة ترمب الأمريكيين للصلاة والتضرع الى الله ، كتبت أن خبراء يوصون بالعزل الصحي كإجراء فعال لاحتواء المرض ، واشارت إلى ان هناك من اوصى بهذا قبل 1300 سنة ، وهو نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم عبر حديث : “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها” ، كما لفتت المجلة الى دعوته ، صلى الله عليه وسلم ، البشر للمحافظة على النظافة حيث أشارت الى حديث “النظافة من الإيمان” وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم “إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده”. واستشهدت المجلة بحديث “تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا الهرم.” لإبراز حث النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين على الأخذ بالأسباب ، على العكس مما نراه هذه الأيام من استهتار المسلمين واستخفافهم من الوباء بدعوى ان الموت واحد ولا يجب أن نخاف. فالإسلام ، على عكس ما يحاول البعض إيهامنا به ، هو دين ومنهج الحياة ، ولو لم ننحرف عن هذا المنهج لكان حالنا اليوم أفضل ، ولما قادتنا أرجلنا الى التهافت في الاسواق والمحطات والمطارات خوفا وفزعا من وباء علمنا ديننا كيف نتعامل معه.